لم يكن الطفل محمد السهلاوي يدري بأن القدر كان يخبئ له بأن يكون في يوم من الأيام أغلى لاعب في تاريخ الرياضة السعودية، وهو الذي أبصر الحياة يتيما، إذ ما كاد يتلمس طريقها إلا وقد سمع نحيب أسرته يهز أركان منزلهم الصغير في مدينة الهفوف بالأحساء حزنا على وفاة والدهم إبراهيم السهلاوي.
ظلام اليتم كان كافيا لأن يضيع الطفل محمد في دهاليز الحياة، لولا أن قيض الله له أما عطوفا حملت على عاتقها بأن تتمثل دور الأم والأب في آن حتى تستطيع أن تعوض رحيل زوجها الصعب، فكان لها ما أرادت حيث نجحت في هذا الدور بامتياز.
نجاح (أم فهد) تلمسه بسهولة في مسيرة ابنائها (فهد ومحمد وماهر) لاسيما محمد الذي سجل نفسه بين أقرانه كواحد من أكثر أبناء (حي المطار) حيث تقطن الأسرة أدبا وموهبة وفطنة، فبقدر ما كان السهلاوي الصغير يشار إليه بالبنان في حسن الخلق، فقد جمع إلى ذلك نجاحا ملموسا في دراسته، وموهبة فذة في مداعبة كرة القدم.
في الحي كان محمد السهلاوي مضرب المثل في الأخلاق، وفي المدرسة كان اسمه لا يفارق لوحة الطلاب المثاليين، أما في الحارة فيكفي أنه كان نجم فريق (الفيصلي) بلا منازع قبل أن ينتقل لفريق (التعاون) الأكثر شهرة في الهفوف.
في التعاون ذاع صيت السهلاوي وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، إذ كانت مهاراته العالية وقدرته الفائقة على هز الشباك سببا في لفت الأنظار إليه، ما دعا غير ناد من أندية الأحساء للتسابق على خطب وده، بيد أن رغبة أسرته في تفرغه للدراسة حال دون تسجيله في أي منها، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة حضوره اللافت في دورات الحواري التي تشتهر بها محافظة الأحساء، وهو ما كان سببا في إقناعه بالذهاب لخوض تجربة مع شباب الهلال عام 2002عن طريق المدرب راشد صالح المري، حيث أمضى هناك أسبوعا كاملا اقنع خلاله كل من شاهد مستواه وفي مقدمتهم الأمير بندر بن محمد، بيد أن مدرب الفريق اليوغسلافي نوبوشيا كان له رأي آخر، ليعود السهلاوي منكسرا حزينا للأحساء إذ شعر أن أحلامه قد تبددت.
بعد ذلك بعام كان محمد السهلاوي قد بلغ عامه السابع عشرة عشر، وفيه بدأت موهبته يكتمل نضوجها، وهو ما بدا واضحا خلال مشاركته في دورة "كاركيز" لفرق حواري الأحساء ما جعل إداري كرة اليد بنادي القادسية آنذاك عادل بودي يأخذ على عاتقه ضرورة تسجيله في نادي القادسية خشية أن يصطاده ناد آخر.
وأوعز بودي لمندوب نادي الاتحاد في الأحساء راشد علي المري بضرورة أخذ السهلاوي لعضو شرف القادسية أحمد الزامل كي يوقع معه، بيد أن المري كان له رأي بأن يتم تسجيله في الاتحاد، لكن عائلة السهلاوي رفضت فكرة انتقاله لجدة في حين وافقت على ذهابه للخبر، فكان لها ما أرادت حيث شهد يوم 12 يوليو 2003 تسجيله في كشوفات القادسية مقابل حصوله على مبلغ 40 ألف ريال وسيارة، وكانت بمثابة صفقة لا تضاهيها صفقة بالنسبة للاعب مازال يصنف على انه "لاعب حواري"!.
يقول عادل بودي: "لم يكن سهلا أن أقنع عائلته، لكن ثقتها بي وإدراكها بأنني أسعى لمصلحته جاءت الموافقة، فشعرت حينها بأنني حصلت على كنز ثمين".
ويضيف: "لأسباب خاصة لم أشأ الذهاب بنفسي للزامل لحظة التوقيع مع اللاعب، حيث أوعزت للمري بالقيام بالمهمة بدلا عني حتى لا افسد المشروع، وبالفعل تم ذلك بعد ان حصل اللاعب على 40 ألف ريال وسيارة، مع ضمان إكمال تعليمه ".
ويستغرب بودي أن ينسب اكتشاف السهلاوي للمري إذ يقول: "الجميع يعرف بأنني من اكتشف السهلاوي، وهذا لا يحتاج مني لمزايدة، ويمكن سؤال المري في ذلك فلديه التفاصيل كاملة، بل حتى السهلاوي نفسه لن يتردد في التأكيد على أنني مكتشفه".
دخل السهلاوي أبواب القادسية أول مرة، وفرائصه ترتعد، ففي هذا النادي لا اسم يعلو في ذلك الوقت على اسم ياسر القحطاني، ولذلك شعر بأن الأمور لا تبدو حسبما تصورها، بيد أنه وفي غضون أسبوع واحد استطاع أن يجعل اسمه يرن داخل النادي ما دفع مدرب الفريق الأول آنذاك التونسي أحمد العجلاني لإشراكه مع الفريق الأول الذي كان يعج بالمهاجمين وفي مقدمتهم ياسر القحطاني، وعلى الرغم من انه لم يأخذ فرصته مع الفريق الأول لصغر سنه لكنه استطاع أن يفجر موهبته مع فريق الشباب ليقتحم من خلاله وفي ذات العام "الأخضر" الشاب ومنه للمنتخب الأولمبي.
بعد موسمين فقط، وتحديدا في موسم 2006 اقتحم السهلاوي تشكيلة الفريق الأول وقد ساعده على ذلك انتقال القحطاني للهلال في صفقة عدت هي الأكبر في ذلك الوقت، ليتحمل مسؤولية الهجوم القدساوي إلى جانب زميله في الفريق يوسف السالم، وكان الفريق آنذاك يعيش وضعا فنيا وإداريا صعبا كاد يعصف ببقائه في الدوري الممتاز، لكنه تجاوز محنة الهبوط إذ تشبث بالبقاء، لكنه عاد بعد موسم واحد ليعيش أسوا مرحلة له على الإطلاق حينما تعاقد النادي مع المدرب البرتغالي أولينهو الذي ذاق معه السهلاوي الأمرين بإبقائه له على مقاعد الاحتياط رغم انه كان يقود هجوم المنتخب الأولمبي، ورغم إقالته والتعاقد مع العجلاني مرة أخرى إلا أن الفريق وقع صك الهبوط للدرجة الأولى.
وأسهم هبوط القادسية في تسابق الأندية على الرغبة في الفوز به، لكن إدارة الياقوت التي فرطت في غير لاعب آنذاك كالسالم والطريدي والغوينم تمسكت بالسهلاوي الذي كان يلعب هاويا، غير أنها أعارته للفتح "درجة أولى" لمدة شهرين، ساهمت في توتير العلاقة بين اللاعب وناديه حيث رفض العودة من جديد قبل أن يسوي رئيس النادي الجديد عبدالله الهزاع الخلاف مع اللاعب بتوقيع عقد معه في يناير الماضي بقيمة 3 ملايين ريال، ليعود متألقا من جديد فيحصد لقب هداف دوري الدرجة الأولى ويقود ناديه للصعود، ليفتح ذلك الباب لصراع جديد بين عدد من الأندية في سبيل التعاقد معه، ليكون النصر السباق في الفوز به حينما دفع "32.5 مليون ريال"، وهو المبلغ الذي سال له لعاب إدارة القادسية لتبادر بتقديم ورقة فك الارتباط مع السهلاوي، وهي الورقة التي شهدت توقيع أكبر صفقة في تاريخ الرياضة السعودية.
السبت يوليو 04, 2009 8:48 pm
